السيسي يغير موازين المعادلة العالمية (الجزء الثاني)

بقلم الاستاذ/محمد رفاعي

فمن نعم الله على هذا الوطن ان رئيسه قد أتى من خلفية مخابراتية. فهذا هو ما مكن القيادة السياسية في مصر من التيقن المبكر بتشكيل التحالفات الجديدة لاقطاب العالم التي ظهرت للعامة من الناس في سنة ٢٠٢٠، و تحديداً في وقت اعلان ازمة خروج بريطانيا من مجموعة الاتحاد الاوروبي (Brexit). الاعجاز الحقيقي هو تمكن الرئيس من العمل لوضع خطة زمنية دقيقة جدا في انقاذ مصر من براثن الارهاب و مخاطر الافلاس،.و في نفس الوقت كان العمل يسير على قدم و ساق لتحديث تسليح القوات المسلحة المصرية، و كان هدا امر في غاية الضرورة، و ما كان ليكون مرئياً لأي محلل سياسي مهتم بالشأن المصري آن ذاك. 

فالمعركة هذه المرة ليست كسابق المعارك ذات الطابع التقليدي، اي قوة عسكرية تواجه قوة اخرى مثيلة، بل هي اليوم اصبحت اكثر تعقيدا، و الغلبة فيها لمن يمتلك المعلومة المخابراتية الصحيحة، و القدر الكافي من الذكاء و الدهاء و الحنكة السياسية كي يكون لاعباً رابحاً في المعركة. ظهر هذا جلياً في الاحداث الراهنة في ليبيا. فقد تم تقسيم الليبيين الى طرفان متناحرين على السلطة، ولكنهم في الواقع هم اوقعوا انفسهم في حرب اهلية لا نهاية لها. ان نظرنا للشركاء في هذه التركة، فسوف نجد الاتحاد الاوروبي هم طرف اساسي، و الولايات المتحدة كذلك، و ايضا روسيا و من خلفها الصين. اي بمعنى آخر، اهمية ليبيا في موقعها الاستراتيجي في العالم، "فالحقيقة العسكرية الثابتة المعروفة هي انه من يسيطر على الساحل الليبي فقد سيطر على حوض البحر الابيض المتوسط بأكملة" و كونها اطول ساحل على حوض البحر الابيض المتوسط، و كونها غنية بالموارد الطبيعية مثل النفط و الغاز و اليورانيوم عالي الجودة و الذهب، كل هذا يجعل ليبيا مطمعاً و هدفاً ذو اولوية لاقطاب العالم، الدول العظمى صاحبة المصالح. 

حقيقة الدور التركي في ليبيا هي تنفيذ المهام الغير مشروعة التي تسند لها من قبل الولايات المتحدة في ليبيا، و كذلك كان الحال في سوريا، فقد شاهدنا التدخل التركي جلياً للحد من التوغل الروسي في سوريا. اما في ليبيا فالوضع اكثر تعقيدا، فالشركاء المتنافسين، بخلاف روسيا، هم اعضاء في حلف عسكري واحد، و هدا ما زاد الوضع تعقيداً فوق تعقيده. تركيا، العضو في حلف شمال الاطلسي، قد اصبح العضو المارق بالنسبة للاتحاد الاوروبي. فقد تعدت تركيا عدة مرات على الحدود البحرية لليونان و قبرص و خاضت في صراعات حدودية على مجموعة جزر مع قبرص و طالما كان هذا الصراع مصدر قلق امني في شرقي البحر الابيض المتوسط، و لطالما اثارت التعديات و التجاوزات التركية اشمئزاز و استنكار الاتحاد الاوروبي، ولكن تركيا كانت دوما تتمتع بحماية الغطاء الممنوح لها من قبل الولايات المتحدة الامريكية، فتركيا كانت دوما الذراع الامريكي الذي ينفذ لها المهام التي لا تريد امريكا ان تقوم بها لتبقى نظيفة اليدين. 

و حينما اسند لتركيا مهاما التي ازدادت تدريجيا في ليبيا، اصبح الامن القومي المصري مهدداً، و كان لابد من ايجاد حلول لوقف هذه المخاطر المترتبة عن الصراعات العسكرية على الحدود المصرية الغربية. فلإيقاف التوغل التركي في ليبيا، التي كانت توشك على القيام بإنزالات عسكرية تركية و انشاء قواعد عسكرية تركية، قام السيد الرئيس بالتحرك في اتجاه الاتحاد الاوروبي، و تحديدا من خلال اليونان و فرنسا. فقد أثار ملفاً كان منسياً منذ زمن بعيد، و هو معاهدة قامت الدولة العثمانية ابان هزيمتها في الحرب العالمية الاولى و المتمثلة في التعهد بعدم القيام باي توسع حدودي او تحرك عسكري لها خارج حدودها الاصلية. و بذلك لم تستطع الولايات المتحدة الامريكية الاستمرار في تهديد مصالح الشريك الاوروبي في ليبيا، فكثفت تركيا جهودها و حددتها في امداد احد الطرفين الليبيين بالاسلحة و منظومات الدفاع الجوي و المعلومات العسكرية الي تحصل عليها من صور القمر الصناعي العسكري التركي الذي قد اطلقته تركيا في مطلع العام ٢٠٢٠ الجاري، و استمرت في امداد العناصر المقاتلة السورية و نقلها الى الاراضي الليبية. 
توجب هنا على الاتحاد الاوروبي اختيار شريك في ليبيا ليضمن مصالحهم على الاراضي الليبية، و لم يكن هناك افضل من مصر. فلجاهاز المخابرات المصري نفوذ قديم في ليبيا منذ بدايات التسعينيات حيث ان جهاز المخابرات المصري كان نشطا جدا في ليبيا باعتبارها دولة مجاورة و لطالما كان نظام القذافي نظاما لا يمكن الوثوق فيه بالكامل، حتى و ان تظاهر بانه حليفا و شقيقا. 

و هكذا ضمن الرئيس السيسي عدم مواجهة الجيش التركي ذو العدة و العتاد القوي و التقنية المتقدمة الممنوحة له من امريكا. فهنا اثبت الرئيس السيسي قدرته العالية على المناورة السياسية و التي اظهرت قوة اجهزة الامن المصرية. 

يتبع في الجزء الثالث...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اعرف نتيجه الشهاده الاعداديه الازهريه محافظة الإسكندرية 2024

فكوا الكيس ! بقلم دكتور ياسر نصيف رضوان

فى إنجاز جديد للتعليم العالي: تصنيف ويبومتركس "الإصدار العام" يدرج 81 مؤسسة تعليمية مصرية فى نسخة يوليو 2024