الحكاية من أولها اسمها الفقر

بقلم محمد خليل
 
 خلال الأيام الماضية انقلبت السوشيل ميديا على مشاهد رؤية الشاب المصري (وليد) الذي ضربه المواطن الكويتي في الجمعية هناك ، وكثير منا أخذ يلوم هذا الشاب ويعاتبه على صمته ولم تمتد يده للدفاع عن نفسه وكرامته وأنا من هؤلاء الناس ، وأخذت ألوم نفسي وأعاتبها على عدم وجودي هناك حتى أقوم بضرب هذا الرجل على قفاه مرة ومرة أخرى بالجزمة  كحلم من أحلام اليقظة الذي يظهر بطولاتنا ونحن بعيدين عن موقع الحدث . 
   جلست بمفردي في المساء وأنا أفكر في إحساس هذا الشاب وأفكر في كلمات مديره الذي يقول أن هذا الشاب دائما ماكان يقول له أنه يشعر بالغبن ، وكأن كلمات هذا الرجل الفاضل هي المحرك لعقلي وكأنها ناقوسا في رأسي يدعوني للتفكير وفي لحظات قليلة  تم استدعاء  عدة أسئلة سريعة تضربني بعنف في مشاعري وأحاسيسي ، أسئلة الإجابة عنها مؤلمة والتفكير فيها يؤلم أكثر وهذه الأسئلة  هي : لماذا صمت هذا الشاب ؟ لماذا لم يضربه بعنف ؟ لماذا شلت يده ؟ لماذا ظلمته كالآخرين؟ لماذا يقول عنه المدير هذا الكلام؟ لماذا تحركت أجهزة الحكومتين تجاهه؟ لماذا تعاطف معه الناس بهذا الشكل؟
   ووجدت أن أسباب هذه الأسئلة هو الفقر والظلم والكرامة ، ولكن المحرك الأساسي هو الفقر .
     فحكاية هذا الشاب (وليد) هي حكاية آلاف الشباب الذي قهره الفقر وقتل في نفوسهم حب الحياة . هذا الشباب مات قبل الخروج من بلاده بحثا عن الرزق الحلال الذي يحميه من ذل السؤال ، شباب قد مات قبل أن يولد وظهر ذلك واضحا من كلمات الشاب الأخيرة عندما قال : (أنا محدش ضربني .....أنا جاي مضروب جاهز) . يالها من صفعة قوية على عقلي وقلبي ، يالها من صفعة أصابت عقلي بالشلل أمام كلماته ، يالها من صفعة أدمت وأبكت قلبي أمام قهره وظلمه .
    هذا الشاب لم يشعر بالضرب ولم يتحرك ساكنا من مكانه ونحن نقول أن هذا هو الثبات الانفعالي ، لقد كذبنا على أنفسنا فهو ليس ثباتا انفعاليا ، لا ياسادة والله إنه ميت ، مات قبل خروجه من دياره وبلاده ، مات عندما شعر بالسجن دون أي جريمة يرتكبها ، شعر بالسجن عندما كتب على نفسه شيكات تعدت ال 50 ألف جنية وشيكا على بياض حتى يحصل على عمل في دولة الكويت ، كان الرجل يصفعه بالقلم على وجهه وهو يفكر في السجن الذي ينتظره عند عودته لو ضرب هذا الرجل الذي يصفعه ، يفكر في حسرة أمه وصدمه أبوه وكسر قلب أخواته ، يفكر في مراحل تعليمه التي قضاها في حياته ورحلة البحث عن عمل مناسب ولم يجدها وعندما وجدها استغنى عنه صاحب العمل لتقليل العمالة بسبب أزمة كورونا ، يفكر في الفقر الذي ينهش فيه هو وأسرته ، يفكر في عدم قدرته على شراء قميص او حذاء ، يفكرفي ظهور من يعرض عليه السفر مقابل 50 ألف جنية ورحلة سداد الدين وهو لا يملك من المبلغ شيئا ، يفكر فيما حلم به من إنقاذ لأهله من حاجة العوز ، يفكر في تجهيز أخواته ، يفكر في عودته لأهله محملا بالديون وخيبة الأمل بدلا من شنط الهدايا .
   هل هذا الشاب في لحظة الضرب و مع هذه الأفكار يشعر بأي شيء ؟ إنه ميت أصلا وبيموت للمرة الثانية عندما يضربه رجل جبان وهو موظف أجير ، يضربه رجل قادر وهو ضعيف ، يضربه رجل في بلده وهو غريب ، يضربه صاحب البيت وهو الضيف .
لم يشعر بالضرب لأنه مخدر ببنج الفقر وخراب البيت ، ضربه ياسادة الفقر والعوز ، ضربه صاحب العمل الذي طرده من عمله في مصر ، ضربه ايصالات الأمانة ، ضربه الفقر والظلم والقهر .
   وفي النهاية أقول أن الذي حرك السوشيل ميديا والمدير وأجهزة الدولتين هو الفقر والظلم والكرامة . ولا يتبقى لنا إلا الدعاء :
     يارب ساعد بلادنا على الخروج من دائرة الفقر حتى لا نرى ذل السؤال في عيون المصريين أعز الناس .
     يارب انصر عبادك المظلومين ضد كل ظالم لا يراعي الله في عباده .
    يارب احفظ كرامتنا فنحن شعب كريم عزيز يقف دائما بجوار المظلومين المقهورين ، نحن شعب يأبى أن تهان كرامة أي شعب مقهور ، فبلادنا حاضنة لكل مظلوم .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اعرف نتيجه الشهاده الاعداديه الازهريه محافظة الإسكندرية 2024

فكوا الكيس ! بقلم دكتور ياسر نصيف رضوان

فى إنجاز جديد للتعليم العالي: تصنيف ويبومتركس "الإصدار العام" يدرج 81 مؤسسة تعليمية مصرية فى نسخة يوليو 2024